فضاء ثقافي يحتفي بجماليات الأدب العربي. نقدم في هارموني الحروف دراسات نقدية، نصوصا سردية (قصص قصيرة وتجريبية)، وشعرا مرهفا. نغوص في فلسفة الأدب وتحليل الخطاب لنصنع محتوى خالدا. انضم إلينا لتبادل الرؤى في واحة الفكر والإبداع.

بيت القطط | هيثم مصباح

مجلة هارموني الحروف


 ربما لم تكن الأيامُ بهيَّةً… لكننا كنا نحتمي بها كمن يختبئ خلف وهمٍ جميل.

كنا نضحك من القلب، نسير معًا دون أن ننظر إلى الخلف، نكتب على جدران الزمن أثرنا، ونرسم في الهواء وعودًا اعتقدنا، ببراءة، أنها لا تذوب.

ثم جاءت الرحلة. رحلة قصيرة، لكنها خلخلت صمتًا مستقرًّا في الأعماق، وتركت ندبة أعمق من كل تأويل. لم تكن عاصفة، بل ريحًا خفيفة، أسقطت آخر ورقة في شجرة تلاقي الأرواح التي جمعتنا لعامين.

 

اهتزَّ التوازن بيننا في طريق العودة، وتفكَّكت لغة التفاهم التي كنا نحيا بها. وحين وصلت إلى المنزل، شعرتُ أن كل شيء فقد تماسكه، كأن المسافة اخترقت الداخل. صعدتُ إلى السطح، إلى هناك، حيث لا شيء سوى العزلة النقية.

 

في الزاوية، كان "بيت القطط". عالمهم الصغير، المبعثر، لكنه منظَّم بفوضاه، هادئ في صمته، حرٌّ رغم الهامش. جلستُ بينهم. لم يهرب أحد، بل أحدهم اقترب، وكأنه يحتفي بانكساري. انسكب وجعي في صمتٍ لا يسمعه إلا من يعرف كيف تصرخ الأرواح دون صوت.

 

كانت البدايات قاسية. الذاكرة كانت سكينًا ناعمة الحافة. لكن القطط، رغم أنها لا تنطق، كانت أكثرَ البشر فهمًا. لم تحاكِم، لم تفرّ، فقط كانت هناك.

 

مرَّ الوقت. لم أنسَ، لكنني تساميتُ على الانكسار. أدركتُ أن بعض العلاقات تشبه الخيال الجميل: لا تموت، بل تتبخَّر… دون أثرٍ مادي.

 

واليوم، كلما صعدتُ إلى "بيت القطط"، لا أعود ذلك الكائن المكسور.

أبتسم.

لأنهم لم يعودوا شهود بكائي، بل شهود تحرري.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق