الغالية ميلينا..
ها أنتِ طفلةٌ تلهو بعقل العالم. طفلةٌ تعشق الفوضى والأغنيات، والرقص على أنقاض الكارثة.
في ضحكتكِ يبدو العالم مثل كرةٍ مطاطيّةٍ صغيرة، أقل بؤسا وأقل حزناً، لكنه أكثر وحدة وصمتاً.
أذكر ذلك تحديداً قبل عدّة سنوات في ليالي الشتاء. شعورٌ غامضٌ وعنيفٌ كان يجتاحني. لم أستطِع
تفسيره حينها! هل كان شغفاً
بالحياة، أم حرائقَ تكتب سيرة الرماد لتعيد للأشياء طفولتها ودهشتها
الأولى؟
كل ما أذكره أنني كنت أعيش حياتَين وحلما واحداً. الحياة الأولى اختفت وتلاشت كوميضٍ شاحبٍ،
أمّا الحياة الثانية فما زالت تتدفّق في داخلي كنهرٍ سريع الجريان.
أمّا الحلم فما زال مستمراً في
البدايات، وفي الغياب
الذي لم يحضر
ولم يغِب أبداً.
من ميلينا إلى أوس
شباط
عام 2022
أعلم يا أوس أنكَ القلب الكبير الذي يرتّب صنّاراته الورديّة في وجه من أسر طفولتك في تقويمٍ
باهت. ومن ثمّ ارتفعت يدكَ من العدم، يد المحارب الذي قتل كلّ حرّاس الأحجية، وكانت هناك
جنيّةٌ بحجم حزن الله وحلمكَ، تنتظركَ. أذكر يا عزيزي أنني قضيت عمراً أقضّ مضجعي بحالمةٍ
تتسكّع في كأس أوجاعكَ القادم، ولا تخشى الخط.
معك يا أوس يبدو العالم شقيّا مكدّسا بالأنين،
فأنتَ ما زلتَ تمضي مثل كلّ الأشباح الذين جثوا عند باب الجحيم لتنبثق من عالمٍ التصقتُ به حدّ
الضياع، فتغدو حقيقةً
أبديّة.
من أوس إلى ميلينا
آذار سنة 2022
ميلينا..
عندما تغيبين يوما أو ساعات كثيرة، يصبح الغياب دهراً كاملاً، وعندما تحضرين يمتلىء المكان
بفردوسك وحرائقك الشهية. في الأقاصي العالية، في كل الأشياء اللامرئية، تحملين كل النقائض
ليكتمل العالم. هناك عدم بكامل فراغه ولاشيئيته، وهناك وجود فائض ووفير. حتى عندما تحضرين
يغيب الوقت ويمتلىء المكان والزمان بحاضرك الأبدي.
وأنا في كل حلم، أهبط بكامل جراحي، أرى الصمت الذي يلف العالم. ربما جئت لأحرس أحلام
المعذبين، ربما هبطت لأبحث عن تلك الطفلة البعيدة، بأغانيها وجدائلها الخضراء والحمراء،
بتوسلاتها الصامتة. تلك الطفلة التي أشرق على محيّاها
نور العرش يوما ولم تشفَ من العتمة حتى
الآن.
من ميلينا إلى أوس
أنا يا أوس اصطنعت الغياب لأحفر في ذاكرة المكان أخدوداً تملؤه بشغفك الطفولي الذي يبرر لك
أناك القاتل أحياناً، والذي يتسرب من مساماتك لكن بطريقة رش السكر على الموت. نعم، هكذا أنت
تفعل! هذا السرداب الذي زجيّت بنفسك فيه يعج بالأشباح والكوابيس التي تخترق حائط أمانك.
لأول مرة أتساءل عن الكلمات الحرير التي ترددها وتكررها في اليوم يا أوس؟ لأعود القهقري إلى
جارتي في دمشق، التي كان من أولوياتها شراء الفساتين الغالية رغم وضع زوجها المادي
المتواضع. يومها اعتنقت تفكيرها لأسبوع فتعبت وطردت هذه السخافة من يومياتي، أنا التي
ترضيها قبلة أو دمية أو كتاب. واليوم تزجني في هذه الحالة بحديثك وهروبك من مواجهتي، فأنت
بكامل جراحاتك أقراصا من العذاب تُخبّاُ لي.
رباه! إن أمكن،
فلتبعد هذه الكأس
عني.
من أوس إلى ميلينا
نيسان 2022
ميلينا مطانيوس عيسى، ميلينا العزيزة
كل شيء يحدث لمرة واحدة في هذا العالم، لكنه يحدث لنا مراراً وتكراراً في الذاكرة والحلم،
والأشخاص يسافرون معنا عبر هذا الزمن الافتراضي. بحثت عن شيء حقيقي ينتشلنا من غيبوبة
الأيام والزمن، فكانت تلك الدائرة التي تحيط بها كائنات من نار. أحببت الرقص داخلها إلى الأبد.
هناك ستكتمل الأشياء ونعيد خلق العالم.
فبقدر استطاعتي على العطاء، بقدر ما أنا سعيد وصامد في وجه الرياح العاصفة. وُلدت لأمتص
الألم وأقوّم شكل الانكسارات. وُلدت والعالم يغرق في بحر من الدموع.
أنت الوحيدة يا ميلينا ستشاركينني في هذه المهمة العظيمة. نحن كنا سوي ا قبل آلاف السنوات، التقينا
وتوحّ دنا كشعاع يضيء ظلمة العالم.
كوني معي لتولد
الحياة من جديد.
من ميلينا إلى أوس
نيسان
2022
أوس الغالي...
لطالما آمنتُ بإعادة الخلق وتكرار المأساة، وسن الأحلام التي لا يعتليها إلّا من اعتاد
الطيران ولم تأخذه الأرض، من سيبقى إلى الأبد يعاند الريح كيلا يحط.
بحثت عنك، عن عالمك في الذاكرة، في الحيوات الماضية. عبرت إلى المستقبل، لتكون
المفاجأة المَ سرّ ة في نهاية عام 3839 . كنا خطين متوازيين إلى أن أعلن الإله الساعة،
لنعاند المسافة والشاشة الافتراضية.
أنت الوحيد يا أوس الذي عبر الزمن طفلا لا يخجل أن يمسك بثوب أمه كلما اعتراه الوجع،
ورجلاً يمد روحه جسرا للمرأة لتنفذ من خطاياها إلى ملكوت الله، وحدك من يرمم الشرخ
الأزلي في الأبدية.
من أوس إلى ميلينا
حزيران
2022
إيهِ يا حزيران المضطرب ..
ها هي صحراؤك تطلق ذئابها الجائعة
وليلك يلمع كسكين القاتل ..
أنا طفلك القديم يا حزيران …
طفل الوديان والسهول
.. ألهو بخوفي ..
وأعدو وحيدًا تحت شمس الظهيرة ..
خذني إليك يا ألمي المقدس ..
أنا لم أكبر إلا في الدموع ..
خذني كجرحٍ يضيءُ القبرَ
إلى الظلمة هناك
حيث تلمع
سكين القاتل إلى
الأبد.
من ميلينا إلى أوس
حزيران
2022
أنت طفل كل الأيام يا أوس الغالي. أتعلم ماذا يعني أن تذهب بحزنك إلى ما لانهاية من دون
وجل؟ أن تغفو وصوت البرية في قلبك المنكوب من ضربة فأس مرعبة؟ إنه الشيطان يضرم
الموت في شباكنا الأبدية، فلا يضيرنا لو قفزنا ولو مرة من الطابق الأعلى في منطق العذاب،
علّنا نصحو وقد
برئنا. استكيني أيتها
الروح النقية، فإن
من يحتويك هو
ابن الإنسان والشغف.
صباح أسود في دردشة فيسبوكية بين أوس وميلينا
ميلينا:
● عفويتك مدمرة يا أوس، كما تسميها أنت. تزجنا كل مرة في مشاحنات ساذجة تنسيني أننا
شاعران أو مثقفان. هذه المرة كان الحديث مختلفا،ً فاجأتني بطرحك الذي أمقته في مثل
هذه المواقف. صراحتك اللعينة كانت مرعبة حول أينشتاين بشأن زواجه الأخير من امرأة
أمّيّة ، وطلبك ألّا أقيس الأمر عليك، واستنكارك لردودي الجارحة والعدوانية، وهروبك
لتحافظ على وسام الفضيلة حول عنقك، وأنني أرضية متحركة بالنسبة لك لا تشعر معها
بالأمان. اصحُ يا أوس ولتكن فقط صديقا،ً فأنا لم تعد تعنيني عاطفتك.
أوس:
● أرجوك ميلينا، اهدئي. بعثت لك بهذا الرابط*، اقرئي الحوار في الفيلم، مدته فقط خمسون
ثانية. سنصل إلى تلك النقطة.
ميلينا:
● يد الله تمتد نقية أما يدك يا أوس فتعج بالمتاعب، لذا لم أعد أريدها. ابدأ بنسياني، فقد
فشلت في احتوائي.
أوس:
● لا، أبداً، المؤشر في الدائرة يشير إلى طريق طويل، لكن هناك ثوانٍ متسارعة بدأت
بالتحول إلى اللون الأحمر، هذا ما لم أعرفه في المعادلة.
ميلينا:
● عدم الدقة أتت بك إلى النهاية، تح م ل النتيجة وامضِ إلى الأمام علك توفّق بأيام وأحلام
جديدة. بقاؤك معي وحولي بعد الآن سيغرقك حد تحطمك في القعر.
أوس:
● لا، لا، أبد اً. لم تنتهِ مهمتي الكونية.
ميلينا:
● نعم، لم
تنتهِ ، لكن مهمتك
انتهت معي.
· قلت لكِ طريقنا طويل، الأمر ليس بأيدينا.
● نعستُ أنا يا أوس.
● وأنا أيضاً
يا سيدة العرش.

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق