فضاء ثقافي يحتفي بجماليات الأدب العربي. نقدم في هارموني الحروف دراسات نقدية، نصوصا سردية (قصص قصيرة وتجريبية)، وشعرا مرهفا. نغوص في فلسفة الأدب وتحليل الخطاب لنصنع محتوى خالدا. انضم إلينا لتبادل الرؤى في واحة الفكر والإبداع.

حكاية لا تنتهي | راضية عبد الحميد

 

مجلة هارموني الحروف


كانت ليلة الخامس من ديسمبر، الساعة تقترب من السادسة مساء، حين بدأ الليل يرخي سدوله على المدينة. جلستُ قرب المدفأة، أحتسي كوب شاي ساخن، أراقب تصاعد بخاره في الهواء، وأُنصت لصوت النار وهي تحرق الأخشاب، بينما تراقصت الأشجار العارية خارج النافذة، تتمايل مع الرياح الهوجاء، تماما كما تتأرجح روحي بين ماض لم يمضِ وحاضر لا أعيشه. كنت أظن أنني تجاوزت الأمر، لكن صوتك عاد ليخترق سكون أفكاري:

"مريم، هل أنتِ من فطر قلب عبد العزيز؟" ضحكتُ يومها، لم أكن أدرك أنني سأكون الضحية لاحقا.

تلاقت أعيننا يومها، لغة صامتة تحكي ما لم تجرؤ شفاهنا على قوله. ثم قطعتَ أنت الدوامة بعبارة حاسمة: "حقًا، لا أستطيع العيش بدونك."

"ولا أنا." لكننا افترقنا.

مضت سنة كاملة منذ رحيلك، سنة لم أتعلم فيها سوى الانتظار. كل شيء بات خاليا، حتى وجودي. صرتُ أبحث عنك بين وجوه العابرين، في خطوات الغرباء، في زوايا الأماكن التي جمعتنا، وكأن طيفك قد يتحرك بينها ليخبرني أنك لم تذهب حقا. كنتَ راحتي، وسندي، ووطني، فكيف أعيش في منفى غيابك؟

رنين الهاتف قطع شرودي. نظرتُ إلى الشاشة، ثم حبستُ أنفاسي. اسمك كان هناك، ينبض على الضوء الأزرق كأنه عودةٌ غير متوقعة من بين الأنقاض. ترددتُ للحظات، ثم أجبت.

 "ألو..." صوتك جاء هادئا، مترددا. "مريم... هل يمكننا اللقاء؟"

لم أجب. هل كنتُ أنتظرك حقا، أم كنتُ فقط أبحث عن نهاية لحكايتنا المعلقة؟ في تلك اللحظة، شعرتُ أن الشتاء ابتلع دفئي، وأن هذه الليلة قد تحمل لي نهاية أخرى... أو بداية لا تنتهي.

✍️ راضية عبد الحميد، كاتبة روائية جزائرية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق