أورد
الدكتور محمد مندور تعريفين للأدب، يعتبرهما من أكثر التعاريف شمولًا
وانتشارًا عند الأدباء والنقاد والمفكرين. الأول هو أن "الأدب صياغة فنية
للتجربة البشرية"، والثاني أن "الأدب نقد للحياة".
إن الناظر إلى التعريفين معًا يجد أن للأدب
ارتباطًا وثيقًا بالحياة، ذلك أن الأدب الحق هو الذي يصور الحياة: ماضيها،
وحاضرها، ومستقبلها القريب والبعيد. ويضع مخطط الصرح الذي تراه مخيلة الأديب
الموهوب. ثم إن الأديب في كل ما يكتب لا يصدر قلمه إلا عن نبع الحياة الحي مهما
كان موضوعه.
إن اتجاه الأديب إلى هذا الضرب هو ما يجعل الأدب
ممتعًا ونافعًا، "ذلك أن الصلة الوطيدة بين الأدب والحياة تتجلى فيما يتضمنه
من متعة ومنفعة؛ لأننا نحب أن نرى الحياة منقولة إلينا، نحب أن نجلس في مكاننا
لنشاهد الحياة تمر بنا جزئياتها في سلسلة متصلة الحلقات.هذه المتعة تتحقق في
جلوسنا لقراءة كتاب... وكثيرًا ما نناقش أنفسنا بسبب كتاب قرأناه. وهناك كتب غيرت
منهج حياة قارئها تغييرًا كاملًا. وهنا يتجلى ما للأدب من نفع حين يعمق فهمنا
للحياة، بل أكثر من ذلك حين يوجه حياتنا. فالأدب يستمد من الحياة ويدفعها
ويوجهها".
إن الأدب يجعلنا نفهم الحياة بشكل أفضل؛ لأنه
يحيلنا أولًا إلى فهم ذواتنا، ويُحيي لنا، من ثم، بحقيقته السرمدية بأنه عين
منفتحة على الكون. ومن هنا يؤدي الأدب أدوارًا عديدة خلق لأجلها، والمتمثلة
بالأساس في الاهتمام بالإنسان وتناول قضاياه برؤية حديثة ترفع من فاعليته في الحياة.لأن
"الأدب يستطيع أن يمد لنا اليد حين نكون في أعماق الاكتئاب." على حد
تعبير تودوروف كيف لا، وهو الذي يتخذ من
الأدب وسيلة تعين على الحياة؟ حين يقول: "لو سألت نفسي اليوم لماذا أحب
الأدب، فالجواب الذي يتبادر عفويًا إلى ذهني هو: لأنه يعينني على أن أحيا."
ثم إن الحياة -على حد تعبير زكي مبارك- هي كتاب
الأديب، فالأدب يجب أن يكون من وحي الحياة. كما أنه من الضروري أن نعيش الحياة حتى
نكتب آيات الوجود، لا أن نترك الحقيقة ونبحث عنها في الخيال أو نهرب من العالم
ونلجأ إلى القلم.
الأدب أوسع بكثير من كونه محض فن كلام فحسب، فهو
السجل الإنساني الذي يؤرخ للمشاعر البشرية، ويوثق الأحداث الذاتية والجمعية، وحركة
التاريخ البشري بطريقة ترتد لها النفس وتميل لها الفطرة."إن الكتاب يكمل
معرفتنا بالإنسان والطبيعة ، ويظهر لنا ما كان يتعذر علينا أن نراه فيهما".
ثم إن الدراسة الأدبية لا تخرج عن هذا المنطلق،
إذ تتعدد الأهداف والغايات من تحليل ومقاربة الأدب وفق ما تطرحه المناهج القديمة
والحديثة والمعاصرة على حد سواء من مفاهيم وإجراءات. لى أنه يمكن القول أن جمهور
النقاد يكادون يتماشون مع طرح تودوروف على "أن الهدف من دراسة الأدب هو تعميق
المعرفة بالإنسان".
المراجع المعتمدة:
عز الدين إسماعيل "الأدب وفنونه: دراسة
ونقد" دار الفكر العربي، الطبعة السادسة، 1972، ص 21
تزفيتان تودوروف "الأدب في خطر" ص 45
حنا مينه
"كيف حملت القلم" ص 33.
شكري الماضي
"مقاييس الأدب: مقالات في النقد الحديث والمعاصر" ط. 1، الدار
العالمية للنشر والتوزيع، ص 119 بتصرف.

تحليل رصين للعلاقة بين الأدب والحياة باستحضار أقوال كبار النقاد👏👍
ردحذف