في مدينة مترامية الأطراف، تضجّ بالآلات الضخمة والأضواء اللامعة، كانت الروبوتات تعيش بتناغم، كل منها يؤدي وظيفته بدقة. بعض الروبوتات كانت تشبه البشر، وبعضها اتخذ شكل حيوانات أو تصاميم هندسية معقدة. وسط هذا العالم الميكانيكي، كان هناك روبوت صغير أزرق اللون، بعينين سوداوتين واسعتين تعكسان فضوله اللامحدود. اسمه "روبي".
ما ميّز "روبي" عن غيره لم يكن
حجمه أو مظهره، بل تلك الشرارة الذكية التي تتقد في داخله. كان فضوله يقوده دائمًا
لاكتشاف المجهول، ورغبته في التعلم لا تنطفئ أبدًا. كانت قدرته على فهم المعلومات وتحليلها
مثل البشر تجعله مختلفًا، بل وربما مميزًا.
المهمة غير المتوقعة
في أحد الأيام، استدعاه رئيس الروبوتات، وهو
آلي ضخم ذو عيون مضيئة وصوت عميق، وقال له بلهجة جادة:
"روبي، عليك القيام بمهمة خاصة. ستذهب
إلى الغابة البعيدة لتتعلم عن الطبيعة، وتفهم كيف تعيش الحيوانات معًا وتحافظ على بيئتها.
نحن الروبوتات بحاجة إلى فهم هذا العالم الطبيعي، فقد نحتاج إليه يومًا ما."
شعر "روبي" بحماس مختلط بالخوف.
الغابة؟ لم يسبق له أن غادر المدينة من قبل، وكل معرفته عن الطبيعة كانت مجرد بيانات
مخزنة في ذاكرته الرقمية. لكنه لم يكن من النوع الذي يتراجع أمام التحديات.
لقاء مع المجهول
بعد رحلة طويلة عبر الأراضي المجهولة، وصل
"روبي" أخيرًا إلى حافة الغابة. وقف هناك، متسمرًا في مكانه، مأخوذًا بما
يراه. الأشجار العملاقة بدت وكأنها أبراج تحرس هذا العالم السحري، وأوراقها المتمايلة
ترحب به بنسيمها العليل. كانت الألوان نابضة بالحياة، والروائح مختلفة تمامًا عن رائحة
الزيت والمعادن في مدينته.
بينما كان غارقًا في دهشته، سمع صوتًا رقيقًا
لكنه واثق يقول:
"مرحبًا! من أنت؟ ولماذا تبدو غريبًا؟"
التفت "روبي" بسرعة، فرأى سنجابًا
بني اللون بخط أبيض على ظهره يقف على غصن شجرة، يتأمله بعينين فضوليتين. قفز السنجاب
أمامه برشاقة وقال:
"أنا نون. أنت لست طائرًا ولا حيوانًا.
ماذا تفعل هنا؟"
ابتسم "روبي"، رغم أنه لم يكن متأكدًا
مما إذا كان السنجاب سيفهم تعابير وجهه الميكانيكي، وأجاب بحماس:
"أنا روبوت! جئت من المدينة لأتعلم عن
الطبيعة. هل يمكنك مساعدتي؟"
أطلق "نون" ضحكة صغيرة، ثم قال
بحماس:
"بالطبع! سأكون دليلك هنا، لكن عليك
أن تواكبني، فأنا سريع جدًا!"
عالم حي ينبض بالحياة
بدأ "نون" و"روبي" جولتهما
وسط الأشجار الكثيفة، وكان السنجاب يقفز من غصن إلى آخر بينما كان "روبي"
يحاول اللحاق به متخبطًا بين الجذوع والجذور المتشابكة.
أشار "نون" إلى مجموعة من الأزهار
البرية والفطر الملون، وقال بفخر:
"هذه هي الطبيعة. كل شيء هنا متصل ببعضه.
الأشجار توفر الظل والمأوى، الزهور تمنح الرحيق للنحل، والحيوانات تساعد في نشر البذور."
سأل "روبي"، بينما كان يسجل الملاحظات
في ذاكرته:
"لكن كيف تحافظون على هذا التوازن؟ ألا
تتعرض الأشجار والنباتات للخطر؟"
ابتسم "نون"، ثم أشار إلى شجرة
صغيرة تنمو بجانب شجرة كبيرة وقال بلطف:
"انظر إلى هذه الشجرة الصغيرة. نحن جميعًا
نساعدها على النمو. الطيور تنثر البذور، النحل ينقل حبوب اللقاح، والأوراق المتساقطة
تغذي التربة. عندما نرى شجرة مكسورة أو نباتًا ضعيفًا، نحاول دعمه، نحفر حول جذوره
ليحصل على الهواء والماء، وننبه الحيوانات كي لا تدوسه."
نظر "روبي" إلى الشجرة الصغيرة
وأخذ يسجل البيانات، ثم قال بإعجاب:
"هذا رائع! أنتم تعملون كفريق واحد للحفاظ
على الطبيعة. يجب أن تتعلم الروبوتات في مدينتنا هذا الدرس."
اكتشاف معنى اللعب
تابعوا السير حتى وصلوا إلى نهرٍ تتلألأ مياهه
تحت ضوء الشمس. كانت البطات الصغيرة تسبح بمرح، بينما كان القندس ينشغل ببناء سد صغير.
توقف "روبي" يتأمل المشهد، ثم سأل
"نون" بحيرة:
"هل هذا الماء نوع من الوقود؟ هل تستخدمونه
للتزود بالطاقة؟"
ضحك "نون" وقال:
"لا يا صديقي، هذا الماء هو سر الحياة!
بدونه، لا يمكن لأي كائن أن يعيش."
ثم لاحظ "روبي" شيئًا غريبًا، وقال:
"لاحظت أن البط يحب اللعب. ما معنى اللعب؟
نحن، الروبوتات، لا نلعب."
اتسعت عينا "نون" بدهشة وقال:
"ماذا؟ كيف تعيشون دون لعب؟! تعال، سأريك!"
قفز "نون" فجأة على العشب، وبدأ
يتدحرج ضاحكًا. ثم انضم إليه صديقه السنجاب "دو"، وتبعتهم البطات الصغيرة
التي رشّت الماء على الجميع. حتى "روبي" نفسه وجد نفسه وسط هذا المرح، لا
يعرف كيف يتفاعل. ثم، بطريقة ما، انطلقت منه ضحكة آلية صغيرة. كان ذلك إحساسًا جديدًا،
لكنه أحبه.
"اللعب يجعلنا نشعر بالسعادة، روبي.
إنه ليس مجرد شيء نفعله، بل شيء نشعر به."
شعر "روبي" بشيء دافئ داخله، وكأنه
فهم جزءًا آخر من الحياة لم يكن يعلم بوجوده.
لحظة اختبار حقيقية
بينما كانوا يلعبون، اهتزت الأرض فجأة. توقف
الجميع في رعب. كانت هناك هزة أرضية خفيفة، لكنها كانت كافية لإحداث ضرر. فجأة، سمعوا
صوت انهيار قادم من النهر.
نظروا ورأوا أن سد القندس قد انهار، والقندس
عالق بين الأخشاب.
تحرك "روبي" بسرعة، وقال بحزم:
"يجب أن نضع خطة لإنقاذه. نون ودو، أزيلوا
الأخشاب. أيها البط، انزلوا إلى النهر وأخبرونا بما ترونه تحت الماء."
بفضل تعاون الجميع، تمكنوا من إنقاذ القندس.
وقف القندس يشكرهم جميعًا، بينما نظر الجميع إلى "روبي" بإعجاب.
الوداع ولكن إلى لقاء
قرر "روبي" البقاء أيامًا إضافية
ليعلم الحيوانات كيفية بناء سدود أقوى مقاومة للزلازل. كانوا يتعلمون منه، وهو يتعلم
منهم، وبينما كانت أوقات العمل جادة، كانت أوقات الراحة مليئة بالضحكات والمرح.
لكن كل رحلة يجب أن تنتهي. عندما حان وقت
الرحيل، شعر الجميع بالحزن، حتى "روبي" نفسه.
قال لهم:
"لقد تعلمت منكم الكثير عن الطبيعة...
سأعود قريبًا لنقضي وقتًا ممتعًا معًا."
عاد "روبي" إلى المدينة، لكنه لم
يعد كما كان. كان يحمل معه درسًا جديدًا... التكنولوجيا والطبيعة ليسا ضدين، بل يمكن
أن يتعاونا ليصنعا عالمًا أفضل.

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق