غالبا ما يبدأ تعلق القارئ بالرواية من خلال الرابطة السحرية التي تنشأ بينه وبين الكاتب، أو بمعنى أصح، بينه وبين الأسلوب السردي للكاتب والذي يحرص فيه على دسّ هوامش خفية، سيُنقّب عنها القارئ لاحقا أثناء مروره، وسيتعرف عليها بل وسيندمج معها كما لو كانت تخصّه، فيصير هو نفسه شخصية فعلية مرافقة لباقي الشخصيات.
كيف يحدث هذا؟
كأن يتوقف القارئ عند مشهد ما أو اقتباس ما، فيلامس سطور الصفحة مطولا، قبل أن يطويها مرغما ثم يعود إليها طواعية، كأن يغلق الكتاب ومعه عينيه، ليستسلم لرحلة تفكير لن تنتهي بانتهاء الفصل الأخير، كأن يعيد قراءة القصة مرة واثنتين وأكثر، يتحدث عنها مع الجميع بما فيهم الكاتب نفسه إن أمكن، أن ينشر بعض اقتباساتها ولو مع نفسه، كأن يعقد صداقة مع الكتاب ويبحث في كل مكان ممكن عن كيف اُخرج للحياة، حتى يجمع فُتات ذاك الأسلوب السردي العجيب الذي أواه ذات رحلة، أو ذات قراءة كما يطلق عليها في العادة.
كل هذه اللمحات لن ترصدها الأرقام ولا حتى المراجعات، إنما هي لغة في ثنايا اللغة بين المرآة وانعكاسها، القارئ والمقروء..
الكاتب المتفرد هو من يجعل قراءه يرتقون من متفرجين إلى صنّاع ذكرى، وفي اللحظة التي سيعيدون فيها الكتاب أخيرًا إلى مكانه على الرف، سيدركون أنهم أنهوا القصة لكنها لم تنته منهم، وسيكتشفون قبيل توديعهم للغلاف، أثر حبر سحري مطبوع على أطراف أصابعهم، مقدّر له أن يبقى هناك إلى الأبد.

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق